فصل: هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره استغناءً عنه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره استغناءً عنه

وسأمثله لك مظهراً لتعلم ما أرادوا إن شاء الله تعالى‏.‏

  هذا باب ما جرى منه على الأمر والتحذير

وذلك قولك إذا كنت تحذر‏:‏ إياك‏.‏

كأنك قلت‏:‏ إياك بح وإياك باعد وإياك اتق وما أشبه ذا‏.‏

ومن ذلك أن تقول‏:‏ نفسك يا فلان أي اتق نفسك إلا أن هذا لا يجوز فيه إظهار ما أضمرت ولكن ذكرته لأمثل لك ما لا يظهر إضماره‏.‏

ومن ذلك أيضاً قولك‏:‏ إياك والأسد وإياي والشر كأنه قال‏:‏ إياك فاتقين والأسد وكأنه قال‏:‏ إياي لأتقين والشر‏.‏

فإياك متقى والأسد والشر متقيان فكلاهما مفعول ومفعول منه‏.‏

ومثله‏:‏ إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب‏.‏

ومثله‏:‏ إياك وإياه وإياي وإياه كأنه قال‏:‏ إياك باعد وإياه أو نح‏.‏

وزعم أن بعضهم يقال له‏:‏ إياك فيقول‏:‏ إياي كأنه قال‏:‏ إياي أحفظ وأحذر‏.‏

وحذفوا الفعل من إياك لكثرة استعمالهم إياه في الكلام فصار بدلاً من الفعل وحذفوا كحذفهم‏:‏ حينئذٍ الآن فكأنه قال‏:‏ احذر الأسد ولكن لا بد من الواو لأنه اسم مضموم إلى آخر‏.‏

ومن ذلك‏:‏ رأسه والحائط كأنه قال‏:‏ خل أو دع رأسه والحائط فالرأس مفعول والحائط مفهول معه فانتصبا جميعاً‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ شأنك والحج كأنه قال‏:‏ عليك شأنك مع الحج‏.‏

ومن ذلك‏:‏ امرأ ونفسه كأنه قال‏:‏ دع امرأ مع نفسه فصارت الواو في معنى مع كما صارت في معنى مع في قولهم‏:‏ ما صنعت وأخاك‏.‏

وإن شئت لم يكن فيه ذلك المعنى فهو عربي جيد كأنه قال‏:‏ عليك رأسك وعليك الحائط وكأنه قال‏:‏ دع امرأ ودع نفسه فليس ينقض هذا ما أردت في معنى مع من الحديث‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ أهلك والليل كأنه قال‏:‏ بادر أهلك قبل الليل وإنما المعنى أن يحذره أن يدركه الليل‏.‏

والليل محذر منه كما كان الأسد محتفظاً منه‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ ماز رأسك والسيف كما تقول‏:‏ رأسك والحائط وهو يحذره كأنه قال‏:‏ اتق رأسك والحائط‏.‏

وإنما حذفوا الفعل في هذه الأشياء حين ثنوا لكثرتها في كلامهم واستغناءً بما يرون من الحال ولما جرى من الذكر وصار المفعول الأول بدلاً من اللفظ بالفعل حين صار عندهم مثل‏:‏ إياك ولم يكن مثل‏:‏ إياك لو أفردته لأنه لم يكثر في كلامهم كثرة إياك فشبهت بإياك حيث طال الكلام وكان كثيراً في الكلام‏.‏

فلو قلت‏:‏ نفسك أو رأسك أو الجدار كان إظهار الفعل جائزاً نحو قولك‏:‏ اتق رأسك واحفظ نفسك واتق الجدار‏.‏

فلما ثنيت صار بمنزلة إياك وإياك بدل من اللفظ بالفعل كما ومما جعل بدلاً من اللفظ بالفعل قولهم‏:‏ الحذر الحذر والنجاء النجاء وضرباً ضرباً‏.‏

فإنما انتصب هذا على الزم الحذر وعليك النجاء ولكنهم حذفوا لأنه صار بمنزلة افعل‏.‏

ودخول الزم وعليك على افعل محال‏.‏

ومن ثم قالوا وهو لعمرو بن معد يكرب‏:‏ أريد حباءه ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد وقال الكميت‏:‏ نعاء جذاماً غير موت ولا قتل ولكن فراقاً للدعائم والأصل وقال ذو الإصبع العدواني‏:‏ عذير الحي من عدوا - ن كانوا حية الأرض فلم يجز إظهار الفعل وقبح كما كان ذلك محالاً‏.‏

  هذا باب ما يكون معطوفاً في هذا الباب على الفاعل المضمر في النية

ويكون معطوفاً على المفعول وما يكون صفة المرفوع المضمر في النية ويكون على المفعول وذلك قولك‏:‏ إياك أنت نفسك أن تفعل وإياك نفسك أن تفعل‏.‏

فإن عنيت الفاعل المضمر في النية قلت‏:‏ إياك أنت نفسك كأنك قلت‏:‏ إياك نح أنت نفسك وحملته على الاسم المضمر في نح‏.‏

فإن قلت‏:‏ إياك نفسك تريد الاسم المضمر الفاعل فهو قبيح وهو على قبحه رفع ويدلك على قبحه أنك لو قلت‏:‏ اذهب نفسك كان قبيحاً حتى تقول‏:‏ أنت نفسك‏.‏

فمن ثم كان نصباً لأنك إذا وصفت بنفسك المضمر المنصوب بغير أنت جاز تقول‏:‏ رأيتك نفسك ولا تقول‏:‏ انطلقت نفسك‏.‏

وإذا عطفت قلت‏:‏ إياك وزيداً والأسد وكذلك‏:‏ رأسك ورجليك والضرب‏.‏

وإنما أمرته أن يتقيهما جميعاً والضرب‏.‏

وإن حملت الثاني على الاسم المرفوع المضمر فهو قبيح لأنك لو قلت‏:‏ اذهب وزيد كان قبيحاً حتى تقول‏:‏ اذهب أنت وزيد‏.‏

فإن قلت إياك أنت وزيدٌ فأنت بالخيار إن شئت قلت ذاك أنت وزيد جاز فإن قلت‏:‏ رأيتك قلت ذاك وزيداً فالنصب أحسن لأن المنصوب يعطف على المنصوب المضمر ولا يعطف على المرفوع المضمر إلا في الشعر وذلك قبيح‏.‏

أنشدنا يونس لجرير‏:‏ أنشدناه منصوباً وزعم أن العرب كذا تنشده‏.‏

واعلم أنه لا يجوز أن تقول‏:‏ إياك زيداً كما أنه لا يجوز أن تقول‏:‏ رأسك الجدار حتى تقول‏:‏ من الجدار أو والجدار‏.‏

وكذلك أن تفعل إذا أردت إياك والفعل‏.‏

فإذا قلت‏:‏ إياك أن تفعل تريد إياك أعظ مخافة أن تفعل أومن أجل أن تفعل جاز لأنك لا تريد أن تضمه إلى الاسم الأول كأنك قلت‏:‏ إياك نح لمكان كذا وكذا‏.‏

ولو قلت‏:‏ إياك الأسد تريد من الأسد لم يجز كما جاز في أن إلا أنهم زعموا أن ابن أبي إسحاق أجاز هذا البيت في شعر‏:‏ إياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاءٌ وللشر جالب كأنه قال‏:‏ إياك ثم أضمر بعد إياك فعلاً آخر فقال‏:‏ اتق المراء‏.‏

وقال الخليل‏:‏ لو أن رجلاً قال‏:‏ إياك نفسك لم أعنفه لأن هذه الكاف مجرورة‏.‏

وحدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابياً يقول‏:‏ إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب‏.‏

  هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم

حتى صار بمنزلة المثل وذلك قولك‏:‏ ‏"‏ هذا ولا زعماتك ‏"‏‏.‏

أي‏:‏ ولا أتوهم زعماتك‏.‏

ومن ذلك قول الشاعر وهو ذو الرمة وذكر الديار والمنازل‏:‏ ديار مية إذا مي مساعفة ولا يرى مثلها عجم ولا عرب كأنه قال‏:‏ أذكر ديار مية‏.‏

ولكنه لا يذكر أذكر لكثرة ذلك في كلامهم واستعمالهم إياه ولما كان فيه من ذكر الديار قبل ذلك ولم يذكر‏:‏ ولا أتوهم زعماتك لكثرة استعمالهم إياه ولاستدلاله مما يرى من حاله أنه ينهاه عن زعمه‏.‏

ومن ذلك قول العرب‏:‏ ‏"‏ كليهما وتمراً ‏"‏ فذا مثل قد كثر في كلامهم واستعمل وترك ذكر الفعل لما كان قبل ذلك من الكلام كأنه قال‏:‏ أعطني كليهما وتمراً‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ ‏"‏ كل شيء ولا هذا ‏"‏ و ‏"‏ كل شيء ولا شتيمة حر ‏"‏ أي ائت كل شيء ولا ترتكب شتيمة حر فحذف لكثرة استعمالهم إياه فأجري مجرى‏:‏ ولا زعماتك‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ ‏"‏ كلاهما وتمراً ‏"‏ كأنه قال‏:‏ كلاهما لي ثابتان وزدني تمراً‏.‏

و ‏"‏ كل شيء ولا شتيمة حر ‏"‏‏.‏

كأنه قال‏:‏ كل شيء أمم ولا شتيمة حر وترك ذكر الفعل بعد لا لما ذكرت لك ولأنه يستدل بقوله‏:‏ كل شيء أنه ينهاه‏.‏

ومن العرب من يرفع الديار كأنه يقول‏:‏ تلك ديار فلانة‏.‏

اعتاد قلبك من سلمى عوائده وهاج أهواءك المكنونة الطلل ربع قواء أذاع المعصرات به وكل حيران سار ماؤه خضل كأنه قال‏:‏ وذاك ربع أو هو ربع ‏"‏ رفعه على ذا وما أشبهه سمعناه ممن يرويه عن العرب ‏"‏‏.‏

ومثله ‏"‏ لعمر بن أبي ربيعة ‏"‏‏:‏ هل تعرف اليوم رسم الدار والطللا كما عرفت بجفن الصيقل الخللا دار لمروة إذ أهلي وأهلهم بالكانسية نرعى اللهو والغزلا فإذا رفعت فالذي في نفسك ما أظهرت وإذا نصبت فالذي في نفسك غير ما أظهرت‏.‏

ومما ينتصب في هذا الباب على إضمار الفعل المتروك إظهاره‏:‏ ‏"‏ انتهوا خيراً لكم ‏"‏ و ‏"‏ وراءك أوسع لك ‏"‏ وحسبك خيراً لك إذا كنت تأمر‏.‏

ومن ذلك قول ‏"‏ الشاعر وهو ‏"‏ ابن أبي ربيعة‏:‏ فواعديه سرحتي مالك أو الربا بينهما أسهلا وإنما نصبت خيراً لك وأوسع لك لأنك حين قلت‏:‏ ‏"‏ انته ‏"‏ فأنت تريد أن تخرجه من أمر وتدخله في آخر‏.‏

وقال الخليل‏:‏ كأنك تحمله على ذلك المعنى كأنك قلت‏:‏ انته وادخل فيما هو خير لك فنصبته لأنك قد عرفت أنك إذا قلت له‏:‏ انته أنك تحمله على أمر آخر فلذلك انتصب وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام ولعلم المخاطب أنه محمول على أمر حين قال له‏:‏ انته فصار بدلاً من قوله‏:‏ ائت خيراً ‏"‏ لك ‏"‏ وادخل فيما هو خير لك‏.‏

ونظير ذلك من الكلام قوله‏:‏ انته يا فلان أمراً قاصداً‏.‏

فإنما قلت‏:‏ انته وائت أمراً قاصداً إلا أن هذا يجوز لك فيه إظهار الفعل فإنما ذكرت لك ذا لأمثل لك الأول به لأنه قد كثر في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل فحذف كحذفهم‏:‏ ما أريت كاليوم رجلاً‏.‏

ومثل ذلك قول القطامي‏:‏ فكرت تبتغيه فوافقته على دمه ومصرعه السباعا ومثله قوله ‏"‏ وهو ابن الرقيات ‏"‏‏:‏ لن تراها ولو تأملت إلا ولها في مفارق الرأس طيبا وإنما نصب هذا لأنه حين قال وافقته ‏"‏ و ‏"‏ قال‏:‏ لن تراها فقد علم أن الطيب والسباع قد دخلا في الرؤية والموافقة وإنهما قد اشتملا على ما بعدهما في المعنى‏.‏

ومثل ذلك قول ابن قميئة‏:‏ تذكر أرضاً بها أهلها أخوالها فيها وأعمامها لأن الأخوال والأعمام قد دخلوا في التذكر‏.‏

إذا تغنى الحمام الورق هيجني ولو تغربت عنها أم عمار قال الخليل رحمه الله‏:‏ لما قال هيجني عرف أنه قد كان ثم تذكر لتذكرة الحمام وتهييجه فألقى ذلك الذي قد عرف منه على أم عمار كأنه قال‏:‏ هيجني فذكرني أم عمار‏.‏

ومثل ذلك أيضاً قول الخليل رحمه الله وهو قول أبي عمرو‏:‏ ألا رجل إما زيداً وإما عمراً لأنه حين قال‏:‏ ألا رجل فهو متمن شيئاً يسأله ويريده فكأنه قال‏:‏ اللهم اجعله زيداً أو عمراً أو وفق لي زيداً أو عمراً‏.‏

وإن شاء أظهر فيه وفي جميع هذا الذي مثل به وإن شاء اكتفي فلم يذكر الفعل لأنه قد عرف أنه متمن سائل شيئاً وطالبه‏.‏

ومثل ذلك قول الشاعر ‏"‏ وهو عبد بني عبس ‏"‏‏:‏ قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان والشجاع الشجعما وذات قرنين ضموزاً ضرزما فإنما نصب الأفعوان والشجاع لأنه قد علم أن القدم ههنا مسالمة كما أنها مسالمة فحمل الكلام على أنها مسالمة‏.‏

ومثل هذا البيت إنشاد بعضهم لأوس بن حجر‏:‏ وإنشاد بعضهم للحارق بن نهيك‏:‏ ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح لما قال‏:‏ ليبك يزيد كان فيه معنى ليبك يزيد كما كان في القدم أنها مسالمة كأنه قال‏:‏ ليبكه ضارع‏.‏

ومن ذلك قول عبد العزيز ‏"‏ الكلابي ‏"‏‏:‏ وجدنا الصالحين لهم جزاء وجنات وعيناً سلسيلا لأن الوجدان مشتمل في المعنى على الجزاء فحمل الآخر على المعنى‏.‏

ولو نصب الجزاء كما نصب السباع لجاز‏.‏

وقال‏:‏ أسقى الإله عدوات الوادي وجوفه كل ملث غادي كل أجش حالك السواد كأنه قال‏:‏ سقاها كل أجش كما حمل ضارع لخصومة على ليبك يزيد لأنه فيه معنى سقاها كل أجش‏.‏

ولا يجوز أن تقول‏:‏ ينتهي خيراً له ولا أأنتهي خيراً لي لأنك إذا نهيت فأنت تزيجه إلا أمر وإذا أخبرت أو استفهمت فأنت لست تريد شيئاً من ذلك إنما تعلم خبراً أو تسترشد مخبراً وليس بمنزلة وافقته على دمه ومصرعه السباعا لأن السباع داخل في معنى وافقته كأنه قال‏:‏ وافقت السباع على مصرعه ‏"‏ والخير والشر لا يكون محمولاً على ينتهي وشبهه لا تستطيع أن تقول‏:‏ انتهيت خيراً كما تقول‏:‏ قد أصبت خيراً ‏"‏‏.‏

وقد يجوز أن تقول‏:‏ ألا رجل إما زيد وإما عمرو كأنه قيل له‏:‏ من هذا المتمني فقال‏:‏ زيد أو عمرو‏.‏

ومثل‏:‏ ليبك يزيد قراءة بعضهم‏:‏ ‏"‏ وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ‏"‏ رفع الشركاء على ‏"‏ مثل ‏"‏ ما رفع عليه ضارع‏.‏

  هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره في غير الأمر والنهي

وذلك قولك‏:‏ أخذته بدرهم فصاعدا وأخذته بدرهم فزائداً‏.‏

حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه ولأنهم أمنوا أن يكون على الباء لو قلت‏:‏ أخذته بصاعد كان قبيحاً لأنه صفة ولا تكون في موضع الاسم كأنه قال‏:‏ أخذته بدرهم فزاد الثمن صاعداً أو فذهب صاعداً‏.‏

ولا يجوز أن تقول‏:‏ وصاعد لأنك لا تريد أن تخبر أن الدرهم مع صاعد ثمن لشيء كقولك‏:‏ بدرهم وزيادة ولكنك أخبرت بأدنى الثمن فجلته أولاً ثم قروت شيئاً بعد شيء لأثمان شتى‏.‏

فالواو لم ترد فيها هذا المعنى ولم تلزم الواو الشيئين أن يكون أحدهما بعد الآخر‏.‏

ألا ترى أنك إذا قلت‏:‏ مررت بزيد وعمرو لم يكن في هذا دليل أنك مررت بعمرو بعد زيد‏.‏

وصاعد بدل من زاد ويزيد‏.‏

وثم بمنزلة الفاء تقول‏:‏ ثم صاعداً إلا أن الفاء أكثر في كلامهم‏.‏

ومما ينتصب في غير الأمر والنهي على الفعل المتروك إظهاره قولك‏:‏ يا عبد الله والنداء كله‏.‏

وأما يا زيد فله علة ستراها في باب النداء إن شاء الله تعالى حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم هذا في الكلام وصار يا بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال‏:‏ يا أريد عبد الله فحذف أريد وصارت يا بدلاً منها لأنك إذا قلت‏:‏ يا فلان علم أنك تريده‏.‏

ومما يدلك على أنه ينتصب على الفعل وأن يا صارت بدلاً من اللفظ بالفعل قول العرب‏:‏ يا إياك إنما قلت‏:‏ يا إياك أعنى ولكنهم حذفوا الفعل وصار يا وأيا وأي بدلاً من اللفظ بالفعل‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنه سمع بعض العرب يقول‏:‏ يا أنت‏.‏

فزعم أنهم جعلوه موضع المفرد‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ يا فكان بمنزلة يا زيد ثم تقول‏:‏ إياك‏.‏

أي إياك أعني‏.‏

هذا قول الخليل رحمه الله في الوجهين‏.‏

ومن ذلك قول العرب‏:‏ من أنت زيداً فزعم يونس أنه على قوله‏:‏ من أنت تذكر زيداً ولكنه كثر في كلامهم واستعمل واستغنوا عن إظهاره فإنه قد علم أن زيداً ليس خبراً ‏"‏ ولا مبتدأ ‏"‏ ولا مبنياً على مبتدأ فلا بد من أن يكون على الفعل كأنه قال‏:‏ من أنت معرفاً ذا الاسم ولم يحمل زيداً على من ولا أنت‏.‏

ولا يكون من أنت زيداً إلا جواباً كأنه لما قال‏:‏ أنا زيد قال‏:‏ فمن أنت ذاكراً زيداً‏.‏

وبعضهم يرفع وذلك قليل كأنه قال‏:‏ من أنت كلامك أو ذكرك زيد‏.‏

وإنما قل الرفع لأن إعمالهم الفعل أحسن من أن يكون خبراً لمصدر ليس له ولكنه يجوز على سعة الكلام وصار كالمثل الجاري حتى إنهم ليسألون الرجل عن غيره فيقولون للمسؤول‏:‏ من أنت زيداً كأنه يكلم الذي قال‏:‏ أنا زيد أي أنت عندي بمنزلة الذي قال‏:‏ أنا زيد فقيل له‏:‏ من أنت زيداً كما تقول للرجل‏:‏ ‏"‏ أطري إنك ناعلة واجمعي ‏"‏‏.‏

أي أنت عندي بمنزلة التي يقال لها هذا‏.‏

سمعنا رجلاً منهم يذكر رجلاً فقال لرجل ساكت لم يذكر ذلك الرجل‏:‏ من أنت فلاناً‏.‏

ومن ذلك قول العرب‏:‏ أما أنت منطلقاً انطلقت معك وأما زيد ذاهباً ذهبت معه‏.‏

وقال الشاعر وهو عباس بن مرداس‏:‏ أبا خراشة أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع فإنما هي ‏"‏ أن ‏"‏ ضمت إليها ‏"‏ ما ‏"‏ وهي ما التوكيد ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضاً من ذهاب الفعل كما كانت الهاء والألف عوضاً في الزنادقة واليماني من الياء‏.‏

ومثل أن في لزوم ‏"‏ ما ‏"‏ قولهم إما لا فألزموها ما عوضاً‏.‏

وهذا أحرى أن يلزموا فيه إذ كانوا يقولون‏:‏ آثراً ما فيلزمون ما شبهوها بما يلزم من النونات في لأفعلن واللام في إن كان ليفعل وإن كان ليس مثله وإنما هو شاذ كنحو ما شبه بما ليس مثله فلما كان قبيحاً عندهم أن يذكروا الاسم بعد أن ويبتدئوه بعدها كقبح كي عبد الله يقول ذاك حملوه على الفعل حتى صار كأنهم قالوا‏:‏ إذ صرت منطلقاً فأنا أنطلق ‏"‏ معك ‏"‏ لأنها في معنى إذ في هذا الموضع وإذ في معناها أيضاً في هذا الموضع إلا أن إذ لا يحذف معها الفعل‏.‏

و ‏"‏ أما ‏"‏ لا يذكر بعدها الفعل المضمر لأنه من المضمر المتروك إظهاره حتى صار ساقطاً بمنزلة تركهم ذلك في النداء وفي من أنت زيداً‏.‏

فإن أظهرت الفعل قلت‏:‏ إما كنت منطلقاً انطلقت إنما تريد‏:‏ إن كنت منطلقاً انطلقت فحذف الفعل لا يجوز ههنا كما لم يجز ثم إظهاره لأن أما كثرت في كلامهم واستعملت حتى صارت كالمثل المستعمل‏.‏

وليس كل حرف هكذا كما أنه ليس كل حرف بمنزلة لم أبل ولم يك ولكنهم حذفوا هذا لكثرته وللاستخفاف فكذلك حذفوا الفعل من أما‏.‏

ومثل ذلك قولهم‏:‏ إما لا فكأنه يقول‏:‏ افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره ولكنهم حذفوا ‏"‏ ذا ‏"‏ لكثرة استعمالهم إياه وتصرفهم حتى استغنوا عنه بهذا‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ مرحباً وأهلاً وإن تأتني فأهل الليل والنهار‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله حين مثله أنه بمنزلة رجل رأيته قد سدد سهمه فقلت‏:‏ القرطاس أي أصبت القرطاس أي أنت عندي ممن سيصيبه‏.‏

وإن أثبت سهمه قلت‏:‏ القرطاس أي قد استحق وقوعه بالقرطاس‏.‏

فإنما رأيت رجلاً قاصداً إلى مكان أو طالباً أمراً فقلت‏:‏ مرحباً وأهلاً أي أدركت ذلك وأصبت فحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه وكأنه صار بدلاً من رحبت بلادك وأهلت كما كان الحذر بدلاً من احذر‏.‏

ويقول الراد‏:‏ وبك وأهلاً وسهلاً وبك أهلاً‏.‏

فإذا قال‏:‏ وبك وأهلاً فكأنه قد لفظ بمرحباً بك وأهلاً‏.‏

وإذا قال‏:‏ وبك أهلاً فهو يقول‏:‏ ولك الأهل إذا كان عندك الرحب والسعة‏.‏

فإذا رددت فإنما تقول‏:‏ أنت عندي ممن يقال له هذا لو جئتني‏.‏

وإنما جئت ببك لنبين من تعني بعد ما قلت‏:‏ مرحباً كما قلت‏:‏ لك بعد سقيا‏.‏

ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمره هو ما أظهر‏.‏

وقال طفيل الغنوي‏:‏ وبالسهب ميمون القبة قوله لملتمس المعروف‏:‏ أهل ومرحب أي هذا أهل ومرحب‏.‏

وقال أبو الأسود‏:‏ فاعرف فيما ذكرت لك أن الفعل يجري في الأسماء على ثلاثة مجار‏:‏ فعل مظهر لا يحسن إضماره وفعل مضمر مستعمل إظهاره وفعل مضمر متروك إظهاره‏.‏

فأما الفعل الذي لا يحسن إضماره فإنه أن تنتهي إلى رجل لم يكن في ذكر ضرب ولم يخطر بباله فتقول‏:‏ زيداً‏.‏

فلا بد له من أن تقول له‏:‏ اضرب زيداً وتقول له‏:‏ قد ضربت زيداً‏.‏

أو يكون موضعاً يقبح أن يعرى من الفعل نحو أن وقد وما أشبه ذلك‏.‏

وأما الموضع الذي يضمر فيه وإظهاره مستعمل فنحو قولك‏:‏ زيداً لرجل في ذكر ضرب تريد‏:‏ اضرب زيداً‏.‏

وأما الموضع الذي لا يستعمل فيه الفعل المتروك إظهاره فمن الباب الذي ذكر فيه إياك إلى الباب الذي آخره ذكر مرحباً وأهلاً‏.‏

وسترى ذلك فيما يستقبل إن شاء الله‏.‏

باب ما يظهر فيه الفعل وينتصب فيه الاسم لأنه مفعول معه ومفعول به كما انتصب نفسه في قولك‏:‏ امرأ ونفسه‏.‏

وذلك قولك‏:‏ ما صنعت وأباك ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها إنما أردت‏:‏ ما صنعت مع أبيك ولو تركت الناقة مع فصيلها‏.‏

فالفصيل مفعول معه والأب كذلك والواو لم تغير المعنى ولكنها تعمل في الاسم ما ومثل ذلك‏:‏ ما زلت وزيداً ‏"‏ حتى فعل ‏"‏ أي ما زلت بزيد حتى فعل فهو مفعول به‏.‏

وما زلت أسير والنيل أي مع النيل واستوى الماء والخشبة أي بالخشبة‏.‏

وجاء البرد والطيالسة أي مع الطيالسة‏.‏

وقال‏:‏ فكونوا أنتم وبني أبيكم مكان الكليتين من الطحال وقال‏:‏ وكان وإياها كحران لم يفق عن الماء إذا لاقاه حتى تقددا ويدلك على أن الاسم ليس على الفعل في صنعت أنك لو قلت‏:‏ اقعد وأخوك كان قبيحاً حتى تقول‏:‏ أنت لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ما صنعت أنت ولو تركت هي فأنت بالخيار إن شئت حملت الآخر على ما حملت عليه الأول وإن شئت حملته على المعنى الأول‏.‏

باب معنى الواو فيه كمعناها في الباب الأول إلا أنها تعطف الاسم هنا على ما لا يكون ما بعده إلا رفعاً على كل حال‏.‏

وذلك قولك‏:‏ أنت وشأنك وكل رجل وضيعته وما أنت وعبد الله وكيف أنت وقصعة من يا زبرقان أخا بني خلف ما أنت ويب أبيك والفخر وقال جميل‏:‏ وأنت امرؤ من أهل نجد وأهلنا تهام فما النجدي والمتغور وقال‏:‏ وكنت هناك أنت كريم قيس فما القيسي بعدك والفخار وإنما فرق بين هذا وبين الباب الأول لأنه اسم والأول فعل فأعمل كأنك قلت في الأول‏:‏ ما صنعت أخاك وهذا محال ولكن أردت أن أمثل لك‏.‏

ولو قلت‏:‏ ما صنعت مع أخيك وما زلت بعبد الله لكان مع أخيك وبعبد الله في موضع نصب‏.‏

ولو قلت‏:‏ أنت وشأنك كنت كأنك قلت‏:‏ أنت وشأنك مقرونان وكل امرئ وضيعته مقرونان لأن الواو في معنى مع عنا يعمل فيما بعدها ما عمل فيما قبلها من الابتداء والمبتدأ‏.‏

ومثله‏:‏ أنت أعلم ومالك فإنما أردت‏:‏ أنت أعلم مع مالك‏.‏

وأنت أعلم وعبد الله أي أنت علم مع عبد الله‏.‏

وإن شئت كان على الوجه الآخر كأنك قلت‏:‏ أنت وعبد الله أعلم من غيركما‏.‏

فإن قلت‏:‏ أنت أعلم وعبد الله في الوجه الآخر فإنها أيضاً تعمل فيما بعدها الابتداء كما أعملت في ما صنعت وأخاك ‏"‏ صنعت ‏"‏‏.‏

فعلى أي الوجهين وجهته صار على المبتدأ لأن الواو وكذلك‏:‏ ما أنت وعبد الله وكيف أنت وعبد الله كأنك قلت‏:‏ ما أنت وما عبد الله وأنت تريد أن تحقر أمره أو ترفع أمره‏.‏

و ‏"‏ كذلك ‏"‏‏:‏ كيف أنت وعبد الله وأنت تريد أن تسأل عن شأنهما لأنك إنما تعطف بالواو إذا أردت معنى مع على كيف وكيف بمنزلة الابتداء كأنك قلت‏:‏ وكيف عبد الله فعملت كما عمل الابتداء لأنها ليست بفعل ولأن ما بعدها لا يكون إلا رفعاً‏.‏

يدلك على ذلك قول الشاعر ‏"‏ وهو زياد الأعجم ويقال غيره ‏"‏‏:‏ تكلفني سويق الكرم جرم وما جرم وما ذاك السويق ألا ترى أنه يريد معنى مع والاسم يعمل فيه ما‏.‏

ومثل ذلك قول العرب‏:‏ إنك ما وخيراً تريد‏:‏ إنك مع خير‏.‏

وقال وهو لأبي عنترة العبسي‏:‏ فمن يك سائلاً عني فإني وجروة لا ترود ولا تعار فهذا كله ينتصب انتصاب إني وزيداً منطلقان ومعناهن مع لأن إني ها هنا بمنزلة الابتداء ليست بفعل ولا اسم بمنزلة الفعل‏.‏

وكيف أنت وزيد وأنت وشأنك مثالهما واحد لأن الابتداء وكيف وما وأنت يعملن فيما كان معناه مع بالرفع فيحسن ويحمل على ‏"‏ المبتدأ كما يحمل على ‏"‏ الابتداء‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ ما أنت وما زيد فيحسن ولو قلت‏:‏ ما صنعت وما زيد لم يحسن ولم يستقم إذا أردت معنى ما صنعت وزيداً ولم يكن لتعمل ما أنت وكيف أنت عمل صنعت وليستا بفعل ولم نرهم أعملوا شيئاً من هذا كذا‏.‏

فإذا نصبت فكأنك قلت‏:‏ ما صنعت زيداً مثل ضربت زيداً ورأيت‏.‏

ولم نر شيئاً من هذا ليس بفعل فعل به هذا فتجريه مجرى الفعل‏.‏

وزعموا أن ناساً يقولون‏:‏ كيف أنت وزيداً وما أنت وزيداً‏.‏

وهو قليل في كلام العرب ولم يحملوا الكلام على ما ولا كيف ولكنهم حملوه على الفعل على شيء لو ظهر حتى يلفظوا به لم ينقض ما أرادوا من المعنى حين حملوا الكلام على ما وكيف كأنه قال‏:‏ كيف تكون وقصعة من ثريد وما كنت وزيداً لأن كنت وتكون يقعان ها هنا كثيراً ولا ينقضان ما تريد من معنى الحديث‏.‏

فمضى صدر الكلام وكأنه قد تكلم بها ‏"‏ وإن كان لم يلفظ بها لوقوعها ههنا كثيراً ‏"‏‏.‏

ومن ثم أنشد بعضهم‏:‏ فما أنا والسير في متلف يبرح بالذكر الضابط لأنهم يقولون‏:‏ ‏"‏ ما كنت ‏"‏ هنا كثيراً ولا ينقض هذا المعنى‏.‏

وفي ‏"‏ كيف ‏"‏ معنى يكون فجرى ‏"‏ ما أنت ‏"‏ مجرى ‏"‏ ما كنت ‏"‏ كما أن كيف على معنى يكون‏.‏

وإذا قال‏:‏ أنت وشأنك فإنما أجرى كلامه على ما هو فيه الآن لا يريد كان ولا يكون‏.‏

وإن كان حمله على هذا ودعاه إليه شيء قد كان بلغه فإنما ابتدأ وحمله على ما هو فيه الآن وجرى على ما يبنى على المبتدأ‏.‏

ولذلك لم يستعملوا ههنا الفعل من كان ويكون لما أرادوا من الإجراء على ما ذكرت لك‏.‏

وزعم أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب الموثوق بهم ينشد ‏"‏ هذا البيت نصباً ‏"‏‏:‏ أتوعدني بقومك يا ابن حجل أشابات يخالون العبادا بما جمت من حضن وعمرو وما حضن وعمرو والجيادا وزعموا أنالراعي كان ينشد هذا البيت نصباً‏:‏ أزمان قومي والجماعة كالذي منع الرحالة أن تميل مميلا كأنه قال‏:‏ أزمان كان قومي والجماعة فحملوه على كان‏.‏

أنها تقع في هذا الموضع كثيراً ولا تنقض ما أرادوا من المعنى حين يحملون الكلام على ما يرفع فكأنه إذا قال‏:‏ أزمان قومي كان معناه‏:‏ أزمان كانوا قومي والجماعة كالذي وما كان حضن وعمرو والجيادا‏.‏

ولو لم يقل‏:‏ أزمان كن قومي لكان معناه إذا قال‏:‏ أزمان قومي أزمان كان قومي لأنه أمر قد مضى‏.‏

وأما أنت وشأنك وكل امرئ وضيعته وأنت أعلم وربك وأشبه ذلك فكله رفع لا يكون فيه النصب لأنك إنما تريد أن تخبر بالحال التي فيها المحدث عنه في حال حديثك فقلت‏:‏ أنت الآن وأما الاستفهام فإنهم أجازوا فيه النصب لأنهم يستعملون الفعل في ذلك الموضع كثيراً يقولون‏:‏ ما كنت وكيف تكون إذا أرادوا معنى مع ومن ثم قالوا‏:‏ أزمان قومي والجماعة لأنه موضع يدخل فيه الفعل كثيراً يقولون‏:‏ أزمان كان وحين كان‏.‏

وهذا مشبه بقول صرمة الأنصاري‏:‏ بداء لي أنى لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا فجعلوا الكلام على شيء يقع هنا كثيراً‏.‏

ومثله ‏"‏ قول الأخوص ‏"‏‏:‏ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها فحملوه على ليسوا بمصلحين ولست بمدرك‏.‏

ومثله لعامر بن جوين الطائي‏:‏ فلم أر مثلها خباسة واحد ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله فحملوه على أن لأن الشعراء قد يستعملون أن ههنا مضطرين كثيراً‏.‏

باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام وذلك قولك‏:‏ مالك وزيداً وما شأنك وعمراً‏.‏

فإنما حد الكلام ههنا‏:‏ ما شأنك وشأن عمرو‏.‏

فإن حملت الكلام على الكاف المضمرة فهو قبيح وإن حملته على الشأن لم يجز لأن الشأن ليس يلتبس بعبد الله إنما يلتبس به الرجل المضمر في الشأن‏.‏

فلما كان ذلك قبيحاً حملوه على الفعل فقالوا‏:‏ ما شأنك وزيداً أي ما شأنك وتناولك زيداً‏.‏

قال المسكين الدارمي‏:‏ فما لك والتلدد حول نجد وقد غصت تهامة بالرجال وقال‏:‏ وما لكم والفرط لا تقربوه وقد خلته أدنى مرد لعاقل ويدلك أيضاً على قبحه إذا حمل على الشأن أنك إذا قلت‏:‏ ما شأنك وما عبد الله لم يكن كحسن ما جرم وما ذاك السويق لأنك توهم أن الشأن هو الذي يلتبس بزيد ‏"‏ وإنما يلتبس شأن الرجل بشأن زيد ‏"‏‏.‏

ومن أراد ذلك فهو ملغز تارك لكلام الناس الذي يسبق إلى أفئدتهم‏.‏

فإذا أظهر الاسم فقال‏:‏ ما شأن عبد الله وأخيه يشتمه فليس إلا الجر لأنه قد حسن أن تحمل الكلام على عبد الله لأن المظهر المجرور يحمل عليه المجرور‏.‏

وسمعنا بعد العرب يقول‏:‏ ما شأن عبد الله والعبر يشتمها‏.‏

وسمعنا أيضاً من العرب الموثوق بهم من يقول‏:‏ ما شأن قيس والبر تسرقه‏.‏

لما أظهروا الاسم حسن عندهم أن يحملوا عليه فإذا أضمرت فكأنك قلت‏:‏ ما شأنك وملابسة زيداً أو وملابستك زيداً فكان أن يكون زيد على فعل وتكون الملابسة على الشأن لأن الشأن معه ملابسة له أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر‏.‏

فإن أظهرت ‏"‏ الاسم في الجر ‏"‏ عمل عمل كيف في الرفع‏.‏

ومن قال‏:‏ ما أنت وزيداً قال‏:‏ ما شأن عبد الله وزيداً‏.‏

كأنه قال‏:‏ ما كان شأن عبد الله وزيداً وحمله على كان لأن كان تقع ههنا‏.‏

والرفع أجود وأكثر ‏"‏ في‏:‏ ما أنت وزيد ‏"‏ والجر في قولك‏:‏ ما شأن عبد الله وزيد أحسن وأجود كأنه قال‏:‏ ما شأن عبد الله وشأن زيد ومن نصب في‏:‏ ما أنت وزيداً أيضاً قال‏:‏ ما لزيد وأخاه كأنه قال‏:‏ ما لزيد وأخاه كأنه قال‏:‏ ما كان شأن زيد وأخاه لأنه يقع في هذا المعنى ههنا فكأنه قد كان تكلم به‏.‏

ومن ثم قالوا‏:‏ حسبك وزيداً لما كان فيه معنى كفاك وقبح أن يحملوه على المضمر نووا الفعل كأنه قال‏:‏ حسبك ويحسب أخاك درهم‏.‏

وكذلك‏:‏ كفيك ‏"‏ وقدك وقطك ‏"‏‏.‏

وأما ويلاً له وأخاه وويله وأباه فانتصب على معنى الفعل الذي نصبه كأنك قلت‏:‏ ألزمه الله ويله وأباه فانتصب على معنى الفعل الذي نصبه فلما كان كذلك - وإن كان لا يظهر - حمله على المعنى‏.‏

وإن قلت‏:‏ ويل له وأباه نصبت لأن فيه ذلك المعنى كما أن حسبك يرتفع بالابتداء وفيه معنى كفاك‏.‏

وهو نحو مررت به وأباه وإن كان أقوى لأنك ذكرت الفعل كأنك قلت‏:‏ ولقيت أباه‏.‏

وأما هذا لك وأباك فقبيح ‏"‏ أن تنصبالأب ‏"‏ لأنه لم يذكر فعلاً ولا حرفاً في معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل‏.‏

باب ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل وإظهاره وذلك قولك‏:‏ سقياً ورعياً ونحو قولك‏:‏ خيبة ودفراً وجدعاً وعقراً وبؤساً وأفة وتفة وبعداً وسحقاً‏.‏

ومن ذلك قولك‏:‏ تعساً وتباً وجوعاً ‏"‏ وجوساً ‏"‏‏.‏

ونحو قول ابن ميادة‏:‏ تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي بجارية بهراً لهم بعدها بهرا أي تباً‏.‏

‏"‏ وقال‏:‏ كأنه قال‏:‏ جهداً أي جهدي ذلك ‏"‏‏.‏

وإنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذكر مذكور فدعوت له أو عليه على إضمار الفعل كأنك قلت‏:‏ سقاك الله سقياً ورعاك ‏"‏ الله ‏"‏ رعياً وخيبك الله خيبة‏.‏

فكل هذا وأشباهه على هذا ينتصب‏.‏

وإنما اختزل الفعل ها هنا لأنهم جعلوه بدلاً من اللفظ بالفعل كما جعل الحذر بدلاً من احذر‏.‏

وكذلك هذا كأنه بدل من سقاك الله ورعاك ‏"‏ الله ‏"‏ ومن خيبك الله‏.‏

وما جاء منه لا يظهر له فعل فهو على هذا المثال نصب كأنك جعلت بهراً بدلاً من بهرك الله فهذا تمثيل ولا يتكلم به‏.‏

ومما يدلك أيضاً على أنه على الفعل نصب أنك لم تذكر شيئاً من هذه المصادر لتبني عليه كلاماً كما يبنى على عبد الله إذا ابتدأته وأنك لم تجعله مبنياً على اسم مضمر في نيتك ولكنه على دعائك له أو عليه‏.‏

وأما ذكرهم ‏"‏ لك ‏"‏ بعد سقياً فإنما هو ليبينوا المعنى بالدعاء‏.‏

وربما تركوه استغناء إذا عرف الداعي أنه قد علم من يعني‏.‏

وربما جاء به على العلم توكيداً فهذا بمنزلة قولك‏:‏ ‏"‏ بك ‏"‏ بعد قولك‏:‏ مرحباً يجريان مجرى واحداً فيما وصفت لك‏.‏

قال أبو زبيد‏:‏ أقام وأقوى ذات يوم وخيبة لأول من يلقى وشر ميسر وهذا شبيه رفعه ببيت سمعناه ممن يوثق بعربيته يرويه لقومه قال‏:‏ عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم يقول الخنا أو تعتريك زنابره فلم يحمل الكلام على اذعرين ولكنه قال‏:‏ إنما عذرك إياي من مولى هذا أمره‏.‏

ومثله قول الشاعر‏:‏ أهاجيتم حسان عند ذكائه فغي لأولاد الحماس طويل وفيه المعنى الذي يكون في المنصوب كما أن قولك‏:‏ رحمة الله عليه فيه معنى الدعاء كأنه قال‏:‏ رحمه الله‏.‏

  هذا باب ما جرى من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها

وذلك قولك‏:‏ ترباً وجندلاً وما أشبه هذا‏.‏

فإن أدخلت ‏"‏ لك ‏"‏ فقلت‏:‏ ترباً لك‏.‏

فإن تفسيراً ههنا كتفسيرها في الباب الأول كأنه قال‏:‏ ألزمك الله وأطعمك الله ترباً وجندلاً وما أشبه ‏"‏ من الفعل ‏"‏ واختزل الفعل ها هنا لأنهم جعلوه بدلاً من قولك‏:‏ تربت يداك ‏"‏ وجندلت ‏"‏‏.‏

وقد رفعه بعض العرب فجعله مبتدأ مبنياً عليه ما بعده قال الشاعر‏:‏ لقد ألب الواشون ألباً لبينهم فترب لأفواه الوشاة وجندل وفيه ذلك المعنى الذي في المنصوب كما كان ذلك في الأول‏.‏

ومن ذلك قول العرب‏:‏ فاها لفيك وإنما تريد‏:‏ فا الداهية كأنه قال‏:‏ ترباً لفيك فصار بدلاً من اللفظ بالفعل وأضمر له كما أضمر للترب والجندل فصار بدلاً من اللفظ بقوله‏:‏ دهاك الله‏.‏

وقال أبو سدرة ‏"‏ الهجمي ‏"‏‏:‏ تحسب هواس وأقبل أنني بها مفتد من واحد لا أغامره فقلت له‏:‏ فاها لفيك فإنها قلوص امرئ قاريك ما أنت حاذره ويدلك على أنه يريد به الداهية قوله وهو عامر ابن الأحوص‏:‏ وداهية من دواهي المنو - ن ترهبها الناس لا فالها فجعل للداهية فما حدثنا بذلك من يوثق به‏.‏

  وهذا باب من الصفات

وذلك قولك‏:‏ هنيئاً مرياً ‏"‏ كأنك قلت‏:‏ ثبت لك هنيئاً مريئاً وهنأه ذلك هنيئاً ‏"‏‏.‏

وإنما نصبته لأنه ذكر ‏"‏ لك ‏"‏ خيرا أصابه رجل فقلت‏:‏ هنيئاً مريئاً كأنك قلت‏:‏ ثبت ذلك له هنيئاً مريئاً أو هنأه ذلك هنيئاً فاختزل الفعل لأنه صار بدلاً من اللفظ بقولك‏:‏ هنأك‏.‏

ويدلك على أنه على إضمار هنأك ذلك هنيئاً قول الشاعر وهو الأخطل‏:‏ إلى إمام تغادينا فواضله أظفره الله فليهنئ له الظفر كأنه إذا قال‏:‏ هنيئاً له الظفر فقد قال‏:‏ ليهنئ له الظفر وإذا قال‏:‏ ليهنئ له الظفر فقد قال‏:‏ هنيئاً له الظفر فكل واحد منهما بدل من صاحبه فلذلك اختزلوا الفعل هنا كما اختزلوه في قولهم‏:‏ الحذر‏.‏

فالظفر والهنئ عمل فيهما الفعل والظفر بمنزلة الاسم في قوله‏:‏ هنأه ذلك حين مثل‏.‏

وكذلك قول الشاعر‏:‏ هنيئاً لأرباب البيوت بيوتهم وللعزب المسكين ما يتلمس باب ما جرى من المصادر المضافة مجرى المصادر المفردة المدعو بها وذلك‏:‏ ويلك وويحك وويسك وويبك‏.‏

ولا يجوز‏:‏ سقيك إنما تجرىي ذا كما أجرت العرب‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ عددتك وكلتك ‏"‏ ووزنتك ‏"‏ ولا تقول‏:‏ وهبتك لأنهم لم يعدوه‏.‏

ولكن‏:‏ وهبت لك‏.‏

وهذا حرف لا يتكلم به مفرداً إلا أن يكون على ويلك وهو قولك‏:‏ ويلك وعولك ولا يجوز‏:‏ عولك‏.‏

  هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء

من ذلك قولك‏:‏ حمداً وشكراً لا كفراً وعجباً وأفعل ذلك وكرامة ومسرة ونعمة عين وحباً ونعام عين ولا أفعل ذاك ولا كيداً ولا هماً ولأفعلن ذاك ورغماً وهواناً‏.‏

فإنما ينتصب هذا على إضمار الفعل كأنك قلت‏:‏ أحمد الله حمداً وأشك الله شكراً وكأنك قلت‏:‏ أعجب عجباً وأكرمك كرامة وأسرك مسرة ولا أكاد كيداً ولا أهم هماً وأرغمك وإنما اختزل الفعل ههنا لأنهم جعلوا هذا بدلاً من اللفظ بالفعل كما فعلوا ذلك في باب الدعاء‏.‏

كأن قولك‏:‏ حمداً في موضع أحمد الله وقولك‏:‏ عجباً منه في موضع أعجب منه وقوله‏:‏ ولا كيداً في موضع ولا أكاد ولا أهم‏.‏

وقد جاء بعض هذا رفعاً يبتدأ ثم يبنى عليه‏.‏

وزعم يونس أن رؤبة ابن العجاج كان ينشد هذا البيت رفعاً وهو لبعض مذحج ‏"‏ وهو هني ابن أحمر الكناني ‏"‏‏:‏ عجب لتلك قضية وإقامتي فيكم على تلك القضية أعجب وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقال له‏:‏ كيف أصبحت فيقول‏:‏ حمد الله وثناء عليه كأنه يحمله على مضمر في نيته هو المظهر كأنه يقول‏:‏ أمري ‏"‏ وشأني ‏"‏ حمد الله وثناء عليه‏.‏

ولو نصب لكان الذي في نفسه الفعل ولم يكن مبتدأ لبيني عليه ولا ليكون مبنياً على شيء هو ما أظهر‏.‏

وهذا مثل بيت سمعناه من بعض العرب الموثوق به يرويه‏:‏ فقالت حنان ما أتى بك ههنا أذو نسب أم أنت بالحي عارف لم ترد حن ولكنها قالت‏:‏ أمرنا حنان أو ما يصيبنا حنان‏.‏

وفي هذا المعنى كله معنى النصب‏.‏

ومثله في أنه على الابتداء وليس على فعل قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ قالوا معذرة إلى ربكم ‏"‏‏.‏

لم يريدوا أن يعتذروا اعتذاراً مستأنفاً من أمر ليموا عليه ولكنهم قيل لهم‏:‏ ‏"‏ لم تعظون ‏"‏ قوماً ‏"‏ قالوا‏:‏ موعظتنا معذرة إلى ربكم‏.‏

ولو قال رجل لرجل‏:‏ معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا يريد اعتذاراً لنصب‏.‏

ومثل ذلك قول الشاعر‏:‏ يشكو إلى جملى طول السرى صبر جميل فكلانا مبتلى والنصب أكثر وأجود لأنه يأمره‏.‏

ومثل الرفع ‏"‏ فصبر جميل والله المستعان ‏"‏ كأنه يقول‏:‏ الأمر صبر جميل‏.‏

والذي يرفع عليه حنان وصبر وما أشبه ذلك لا يستعمل إظهاره وترك إظهاره كترك إظهار ما ينصب فيه‏.‏

ومثله قول بعض العرب‏:‏ من أنت زيد أي من أنت كلامك زيد فتركوا إظهار الرافع كترك إظهار الناصب ولأن فيه ذلك المعنى وكان بدلاً من اللفظ بالفعل وسترى مثله إن شاء الله‏.‏

  هذا باب أيضاً من المصادر ينتصب

ولكنها مصادر وضعت موضعاً واحداً لا تتصرف في الكلام تصرف ما ذكرنا من المصادر‏.‏

وتصرفها أنها تقع في موضع الجر والرفع وتدخلها الألف واللام‏.‏

وذلك قولك‏:‏ سبحان الله ومعاذ الله وريحانه وعمرك الله إلا فعلت ‏"‏ وقعدك الله إلا فعلت ‏"‏ كأنه حيث قال‏:‏ سبحان الله قال‏:‏ تسبيحاً وحيث قال‏:‏ وريحانه قال‏:‏ واسترزاقاً لأن معنى الريحان الرزق‏.‏

فنصب هذا على أسبح الله تسبيحاً واسترزق الله استرزاقاً فهذا بمنزلة سبحان الله وريحانه وخزل الفعل ههنا لأنه بدل من اللفظ بقوله‏:‏ سبحك واسترزقك‏.‏

وكأنه حيث قال‏:‏ معاذ الله قال‏:‏ عياذاً بالله‏.‏

وعياذاً انتصب على أعوذ بالله عياذاً ولكنهم لم يظهروا الفعل ههنا كما لم يظهر في الذي قبله‏.‏

وكأنه حيث قال‏:‏ عمرك الله وقعدك الله‏.‏

قال‏:‏ عمرتك الله بمنزلة نشدتك الله فصارت عمرك الله منصوبة بعمرتك الله كأنك قلت‏:‏ عمرتك عمراً ونشدتك نشداً ولكنهم خزلوا الفعل لأنهم جعلوه بدلاً من اللفظ به‏.‏

قال الشاعر‏:‏ عمرتك الله إذا ما ذكرت لنا هل كنت جارتنا أيام ذي سلم فقعدك الله يجري هذا المجرى وإن لم يكن له فعل‏.‏

وكأن قوله‏:‏ عمرك الله وقعدك الله بمنزلة نشدك الله وإن لم يتكلم بنشدك الله ولكن زعم الخليل رحمه الله أن هذا تمثيل يمثل به‏.‏

قال الشاعر ابن أحمر‏:‏ عمرتك الله الجليل فإنني ألوي عليك لو أن لبك يهتدي والمصدر النشدان والنشدة‏.‏

وهذا ذكر معنى ‏"‏ سبحان ‏"‏ وإنما ذكر ليبين لك وجه نصبه وما أشبهه‏.‏

زعم أبو الخطاب أن سبحان الله كقولك‏:‏ براءة الله من السوء كأنه يقول‏:‏ ‏"‏ أبرئ ‏"‏ براءة الله من السوء‏.‏

وزعم أن مثله قول الشاعر وهو الأعشى‏:‏ أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر أي براءة منه‏.‏

وأما ترك التنوين في سبحان فإنما ترك صرفه لأنه صار عندهم معرفة وانتصابه كانتصاب الحمد لله‏.‏

وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل‏:‏ سلاماً تريد تسلماً منك كما قلت‏:‏ براءة منك تريد‏:‏ لا ألتبس بشيء من أمرك‏.‏

وزعم أن أبا ربيعة كان يقول‏:‏ إذا لقيت فلاناً فقل ‏"‏ له ‏"‏ سلاماً‏.‏

فزعم أنه سأله ففسره له بمعنى براءة منك‏.‏

وزعم أن هذه الآية‏:‏ ‏"‏ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ‏"‏ بمنزلة ذلك لأن الآية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قولك‏:‏ ‏"‏ براءة منكم ‏"‏ وتسلما لا خير بيننا وبينكم ولا شر‏.‏

وزعم أن قول الشاعر وهو أمية بن أبي الصلت‏:‏ سلامك ربنا في كل فجر بريئاً ما تغنثك الذموم على قوله‏:‏ براءتك ربنا من كل سوء‏.‏

فكل هذا ينتصب انتصاب حمداً وشكراً إلا أن هذا يتصرف وذاك لا يتصرف‏.‏

ونظير سبحان الله في البناء من المصادر والمجرى لا في المعنى ‏"‏ غفران ‏"‏ لأن بعض العرب يقول‏:‏ غفرانك لا كفرانك يريد استغفاراً لا كفراً‏.‏

ومثل هذا قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏"‏ ويقولون حجراً محجوراً أي حراماً محرماً يريدبه البراءة من الأمر ويبعد عن نفسه أمراً فكأنه قال‏:‏ أحرم ذلك حراماً محرماً‏.‏

ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل‏:‏ أتفعل كذا وكذا فيقول‏:‏ حجراً أي ستراً وبراءة من هذا‏.‏

فهذا ينتصب على إضمار الفعل ولم يرد أن يجعله مبتدأ خبره بعده ولا مبنياً على اسم مضمر‏.‏

واعلم أن من العرب من يرفع سلاماً إذا أراد معنى المبارأة كما رفعوا حنان‏.‏

سمعنا بعض العرب يقول ‏"‏ لرجل ‏"‏‏:‏ لا تكونن مني ‏"‏ في شيء ‏"‏ إلا سلام بسلام أي أمري وأمرك المبارأة والمتاركة‏.‏

وتركوا لفظ ما يرفع كما تركوا فيه لفظ ما ينصب لأن فيه ذلك المعنى ولأنه بمنزلة لفظك بالفعل‏.‏

وقد جاء سبحان منوناً مفرداً في الشعر قال الشاعر وهو أمية ابن أبي الصلت‏:‏ سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد شبهه بقولهم‏:‏ حجراً وسلاماً‏.‏

وأما سبوحاً قدوساً رب الملائكة والروح فليس بمنزلة سبحان الله لأن السبوح والقدوس اسم ولكنه على قوله‏:‏ أذكر سبوحاً قدوساً‏.‏

وذاك أنه خطر على باله أو ذكره ذاكر فقال‏:‏ سبوحاً أي ذكرت سبوحاً كما تقول‏:‏ أهل ذاك إذا سمعت الرجل ذكر الرجل بثناء أو يذم كأنه قال‏:‏ ذكرت أهل ذاك لأنه حيث جرى ذكر الرجل ‏"‏ في منطقه ‏"‏ صار عنده بمنزلة قوله‏:‏ أذكر فلاناً أو ذكرت فلاناً‏.‏

كما أنه حيث أنشد ثم قال‏:‏ صادقاً صار الإنشاد عنده بمنزلة قال ثم قال‏:‏ صادقاً وأهل ذاك فحمله على الفعل متابعاً للقائل والذاكر‏.‏

فكذلك‏:‏ سبوحاً قدوساً كأن نفسه ‏"‏ صارت ‏"‏ بمنزلة الرجل الذاكر والمنشد حيث خطر على باله الذكر ثم قال‏:‏ سبوحاً قدوساً أي ذكرت سبوحاً متابعاً لها فيما ذكرت وخطر على بالها‏.‏

وخزلوا الفعل لأن هذا الكلام صار عندهم بدلاً من سبحت كما كان مرحباً بدلاً من رحبت بلادك وأهلت‏.‏

ومن العرب من يرفع فيقول‏:‏ سبوح قدوس ‏"‏ رب الملائكة والروح ‏"‏ كما قال‏:‏ أهل ذاك وصادق والله‏.‏

وكل هذا على ما سمعنا العرب تتكلم به رفعاً ونصباً‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ خير ما رد في أهل ومال ‏"‏ وخير ما رد في أهل ومال ‏"‏ أجري مجرى خير مقدم وخير مقدم‏.‏

ومما ينتصب فيه المصدر على إضمار الفعل المتروك إظهاره ولكنه في معنى التعجب قولك‏:‏ كرماً وصلفاً كأنه قال‏:‏ ألزمك الله وأدام لك كرماً وألزمت صلفاً ولكنهم خزلوا الفعل ههنا كما خزلوه في الأول لأنه صار بدلاً من قولك‏:‏ أكرم به وأصلف به كما انتصب مرحباً‏.‏

وقلت ‏"‏ لك ‏"‏ كما قلت ‏"‏ بك ‏"‏ بعد مرحباً لتبين من تعني فصار بدلاً في اللفظ من رحبت ‏"‏ بلادك‏.‏

وسمعت أعرابياً وهو أبو مرهب يقول‏:‏ كرماً وطول أنف أي أكرم بك وأطول بأنفك ‏"‏‏.‏

باب يختار فيه أن تكون المصادر مبتدأة مبنياً عليها ما بعدها وما أشبه المصادر من الأسماء والصفات وإنما استحبوا الرفع فيه لأنه صار معرفة وهو خبر فقوي في الابتداء بمنزلة عبد الله والرجل الذي تعلم لأن الابتداء إنما هو خبر وأحسنه إذا اجتمع نكرة ومعرفة أن يبتدئ بالأعرف وهو أصل الكلام‏.‏

ولو قلت‏:‏ رجل ذاهب لم يحسن حتى تعرفه بشيء فتقول‏:‏ راكب من بني فلان سائر‏.‏

وتبيع الدار فتقول‏:‏ حد منها كذا وحد منها كذا فأصل الابتداء للمعرفة‏.‏

فلما أدخلت فيه الألف واللام وكان خبراً حسن الابتداء وضعف الابتداء بالنكرة إلا أن يكون فيه معنى المنصوب‏.‏

وليس كل حرف يصنع به ذاك كما أنه ليس كل حرف يدخل فيه الألف واللام من هذا الباب‏.‏

لو قلت‏:‏ السقي لك والرعي لك لم يجز‏.‏

واعلم أن الحمد لله وإن ابتدأته ففيه معنى المنصوب وهو بدل من اللفظ بقولك‏:‏ أحمد الله‏.‏

وأما قوله‏:‏ شيء ما جاء بك فإنه يحسن وإن لم يكن على فعل مضمر لأن فيه معنى ما جاء بك إلا شيء‏.‏

ومثله مثل للعرب‏:‏ ‏"‏ شر أهر ذا ناب ‏"‏‏.‏

وقد ابتدئ في الكلام على غير ذا المعنى وعلى غير ما فيه معنى المنصوب وليس بالأصل قالوا في مثل‏:‏ ‏"‏ أمت في الحجر لا فيك ‏"‏‏.‏

ومن العرب من ينصب بالألف واللام من ذلك قولك‏:‏ الحمد لله فينصبها عامة بني تميم وناس وسمعنا العرب الموثوق بهم يقولون‏:‏ التراب لك والعجب لك‏.‏

فتفسير نصب هذا كتفسيره حيث كان نكرة كأنك قلت‏:‏ حمداً وعجباً ثم جئت بلك لتبين من تعني ولم تجعله مبنياً عليه فتبتدئه‏.‏